أجواء مفعمة بالأصالة، وفعاليات تتطاير من كل جنباتها نسائم تعبق بالتراث والثقافة، تلك التي فاحت من أرجاء معرض «4 على 4 ..أعمال تشكيلية من مملكة البحرين» بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، تحت رعاية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، ومحمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي السابق- الأمين العام لمنتدى أصيلة الدولي، الذي أقيم ضمن فعاليات مهرجان أصيلة الثقافي بالمغرب في دورته لهذا العام.
وتسنى لزوار المعرض أن يشاهدوا تجربة خليجية عربية تميزت بالتألق والفرادة والريادة على المستوى العالمي أكملها الفن التشكيلي البحريني، عبر مشاركة مملكة البحرين في «مهرجان أصيلة الثقافي الدولي».
وتضمن احتفال هذا العام 2018 مشاركة رواد وشخصيات ثقافية وفكرية وإبداعية عربية وأجنبية، احتفت بالمهرجان الذي أتم 40 سنة من عمره بتقديم كتاب «أربعون سنة في أصيلة»، مؤرخاً لعمر تجربة الحركة التشكيلية البحرينية في مدينة أصيلة المغربية ورهانها على دور الثقافة، لتأتي هذه الفعالية أيضاً في إطار الشراكة والتعاون الثقافي المستمر بين المؤسسات الثقافية في البلدين على المستويين العربي والدولي.
رموز
اشتمل المعرض على أربع تجارب حداثية في الفن عبّرت عن تيارين مختلفين، فكان منها التجريدي، ومنها ما يسير في الاتجاه التشخيصي. وبوجه عام، عبّرت أعمال الفنانين البحرينيين عن عودة قوية إلى التشخيصية، لتحتوي التفاصيل والفكرة ذات الحضور المؤثر والمعالجة المستندة إلى عناصر فنية موضوعية.
وفي هذا الإطار، برزت أعمال الفنان إبراهيم بوسعد التي سادها اللون الأخضر، كما عبّرت عنها «أسطرة القط» لديه باعتباره رمزاً يمكن تفكيكه كواحد من مكونات المخيلة العربية وصولاً إلى بعد مفاهيمي آخر أكثر عمقاً، فيما تجلّت تجربة الفنان عبد الرحيم شريف في تجسيد ما يرى ولا يرى في لوحات (المزهريات) استناداً إلى تقنية الاختزال، دون تحديد للمكان أو في ظل غياب المكان، لتفتح أعماله مجموعة من الأسئلة الوجودية حول الطبيعة الميتة، أثناء إبرازها ما يراه كرسام ضمن التعددية اللونية.
تجربة لافتة أخرى عبّرت عنها أعمال الفنانة البحرينية بلقيس فخرو باستخدامها القماش في إبراز الحدة بين الضوء والظل، وتعقيد ملمس اللوحة وتدرجات اللون، ودورها في إضفاء الحلم والغموض، فيما اعتمدت تجربة الفنان الشيخ راشد آل خليفة على الفراغات التي عبر عنها بالمرايا والدوائر التي تحتمل التأويلات الممكنة لدى المتلقي الذي يشارك في تفسيرها باعتباره طرفاً، لا سيما أنه يرى نفسه داخل العمل الفني.
جذور
تجسّد أعمال الفنانين البحرينيين الحديثة والكلاسيكية منذ بداياتها ملامح الواقع الإنساني والخصوصية، في إطار تاريخي وجمالي، وفي سياق ما يحدث في العالم. وتعد هذه التجربة واحدة من التجارب الفنية المتشابهة وغير المتشابهة التي تأتي في طليعة التجارب التشكيلية العالمية.
كما لا تنقص هذه التجربة أشياء مهمة كاستنادها إلى المرجعية الثقافية والوعي، واستشراف الحاضر وما يمكن أن يكون عليه الفن التشكيلي البحريني مستقبلاً.
ويجسد الإنسان والطبيعة بؤرة الاهتمام فيها، وكلها تعبّر عن أفكار تُبرز وجهة نظر فنانيها، مروراً بعودتها إلى جذورها في عشرينيات الفائت مع بدايات التعليم النظامي في البحرين، وتدريس مادة التربية الفنية ضمن المناهج التعليمية، مروراً بخمسينيات وسبعينيات القرن العشرين التي قدمتها إلى العالمية كتجربة جريئة.
ومما لا شك فيه أن التجريبية والقوة ظلّتا تميز إلى اليوم أعمال الفنانين التشكيليين البحرينيين، لتواكب هذه الأعمال الاتجاهات والمفاهيم الجديدة، بينما تبقى أبواب مدينة أصيلة ومهرجانها مشرعة على احتواء التجارب في إطارها الإنساني الخلّاق.
عالمية
في إطار عالمية الصورة، تعيد تجربة «4 على 4» إلى الأذهان التيار الفني الذي يسمى بـ «التشخيصية» (الذي ساد في سبعينيات القرن العشرين)، التي تهيمن فيها الصورة وتؤثر في المتلقي الذي يمكن الوصول إليه واحتواؤه بالفن، وبأسلوب حداثي، بعيداً عن الصورة النمطية للتواصل، بحيث يصل إلى فهم المتلقي بطريقة غير مباشرة.
Copyright © 2021 artsgulf.com All Rights Reserved.
جميع الحقوق محفوظة لـ ترانا لتقنية المعلومات