منذ آلاف السنين مارس الإنسان فن النحت، ولازال يبدع ويطور أدواته، مستخدماً على مر العصور الحجر والخشب والطين، كوسائل لنقل أحساسيه وأفكاره إلى المتلقي.
بعض الفنانين الشباب يرون اليوم في النحت مساحة من الحرية، تتيح لهم التعبير عن أفكارهم، من دون قيود.
اليوم نسلط الضوء على تجربة الفنان الشاب عامر سالم الطلبي، من قريات، وهو حاصل على بكالوريوس فنون تشــكيلية، من جامعة السلطان قابوس، وهو عضو مرسم الشباب وعضو الجمعية العمانية للفنون التشكيلية.
بداياتي في النحت
يرى عامر الطلبي الفن كعالم من الخيال والتجريب، البعض يتوقف عند مدرسة فنية معينة، يجد نفسه فيها، أما البعض الآخر فيستمر في البحث والتجريب.
يقول: «عندما تمر كلمة النحت، يظن البعض بأنها قطعة من الرخام أو الخشب أو الحجر، يتم تشكيلها حسب رغبة الفنان وبكل سهولة، وما لا يدركونه، هو أن فن النحت يحتاج إلى صبر كبير وفكر صاف لإدراك ونضوج العلاقة بين الكتل والفراغ، فهو من الفنون الميكانيكية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الجهد العضلي والتعامل مع آلات التقطيع التي تمثل خطورة على الفنان كونها أدوات حادة ويجب التعامل معها بحذر.
ويتحدث عامر عن انجذابه لفن النحت قائلا:»خلال دراستي للفنون التشكيلية بجامعة السلطان قابوس، تأثرت بمنحوتات أستاذي د. حسين عبد الباسط، و د. حاتم شافعي، لما تحمله منحوتاتهم من فلسفة جمالية تنوع في الخامات، أثارت شغفي للتوجه لفن النحـــت واختياره ليكون مشروع تخرجي.
أحببته مذ ذاك الوقت لما يحويه من تنوع في استخدام المواد والخامات، وهو الذي من شأنه أن يعطي لهذا الفن حرية في احتضان الأفكار والتعبير عن حساسية الفنان تجاه الواقع، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الأفكار النحتية أعمالا مفاهيمية، وارتبط فن النحت في تحولاته المعاصرة بكثير من الأفكار، كالتجريب في أبعاد الحيز والفراغ، وهي أبعاد لا يمكن حصرها فقط في فن النحت الحديث، وإنما تنتمي في حقيقتها إلى فنون ما بعد الحداثة.
ويبدو العمل على خامة الرخام هو الأكثر انتشارا في عمان، ولهذا أسبابه، فالرخام كما يرى عامر هو من الخامات النبيلة التي يكثر توافرها في السلطنة باختلاف أنواعها وألوانها، وهي خامة لها خصائصها الجمالية الفنية التي تميزها عن غيرها من الخامات، وهو ما يجعلها الأكثر إقبالا من النحاتين.
ويضيف:»بالنسبة لي، فقد حملت تجاربي الأولى طابعاً متنوعاً، حيث عملت على كثير من الخامات، منها الخشب والطين والمواد المصنعة والجبس والحديد، وما زلت أبحث عن خامات وتجارب مختلفة جديدة».
وحول أسلوبه والمواضيع التي تثير اهتمامه يقول:»أجد نفسي بين الواقعية والتجريد، ليس هناك مواضيع معينة تثير اهتمامي، فأنا استلهم أفكاري من الطبيعة ومن البيئة المحيطة بي، فأعمالي تتنوع بين فلسفة الكتلة والفراغ، وبين الطبيعة والمواضيع الإنسانية.
أبرز منحوتة وفكرتها
كان معرض النحت الأول 2016 الذي أقيم خلال شهر نوفمبر هو آخر وأحدث مشاركات عامر، وعنها يقول:»شاركت في المعرض بمنحوتتين باسم «أنغام الحجر»، وفكرتهما تقوم على الدمج بين خامتي الخشب والرخام، وهو عمل نحتي تجريدي مستوحى من الآلات الموسيقية، ويجسد نغمات الصخور التي لا نعتقد بوجودها، فالصخور ليست صامتة، فهي تتحدث مع بعضها البعض، وهنا يمتزج لون الصخور مع لون الآلات الموسيقية».
وحول أهم وأقرب أعماله إليه يضيف:»كل عمل فني أقوم بإنجازه أعتبره من أهم الأعمال بدون تفرقة، إلا أنني أميز عملا نحتيا تجريديا قمت بنحته العام 2008 أسميته «شراع التكافل» وهو يتحدث عن تكافل وتلاحم الشعب العماني في الأنواء المناخية في العام 2007م، وقد شاركت به ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي والعلمي السابع لجامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالسعودية 2010م، وحصلت على المركز الثاني، وهو الآن من مقتنيات المركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس.
حصاد زهيد
وكما هو واضح، فإن فن النحت في عمان لم يجد حتى الآن طريقه لبلوغ المراتب الأولى في الاهتمام الشعبي والرسمي، ولهذا عدة أسباب بحسب عامر. يقول: «هناك عدة صعوبات تواجه ازدهار فن النحت محليا، ومنها عدم توافر المعدات والأدوات المتطورة الخاصة بالنحت، وعدم تقبل المجتمع له.
وما أتمناه فعلا هو أن تساهم الحكومة بدورها في هذا الشأن، فتبدأ باستغلال هذا الفن في عمل نصب تذكارية، وتزيين الأماكن العامة بمنحوتات ضخمة، تبرهن على قوة رؤى وأفكار النحات العماني، مما ينعكس على الذائقة الفنية لشرائح المجتمع المختلفة.
ويمارس عامر كذلك الرسم والتصوير الزيتي والتصميم الجرافيكي والتشكيلات الحروفية، وله مشاركات لبعض هذه الأعمال في المعارض السنوية، التي تقيمها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية.
وحول طموحه وعمله المقبل يقول: «طموحي أن أصبح نحاتا محترفا، وليس مجرد هاو للفن، وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك، أما بالنسبة لعملي المقبل، فما زالت الأفكار تتوالد، لتكون مزيجاً بين عدة خامات في عمل واحد، أتمنى أن يلاقي صداه في الساحة الفنية. وفقا لما نشر بصحيفة الشبيبة.
Copyright © 2021 artsgulf.com All Rights Reserved.
جميع الحقوق محفوظة لـ ترانا لتقنية المعلومات