عندما نتكلم عن أيوب ملنج البلوشي، فإننا لا نتكلم عن فنان عادي، لأنه وببساطة الأب الروحي لفن النحت في سلطنة عمان، وتجاوزت أعماله السلطنة لتحط في دول شتى حول العالم. لهذا الفنان أسلوب بديع ولمسة يد لا يشبهه فيها أي فنان آخر. وفي معرضه الأخير، رقص أيوب مع طيوره رقصات كثيرة، فقدم عالماً ساحراً لا مكان فيه إلا للإبداع، ولا كلام يعلو على ما يقوله الخشب والرخام.
ثلاثة وعشرون عملاً تجريدياً متنوعاً بين الرخام والخشب قدمها ملنج في معرضه «رقص الطيور» يحكي كل منها قصة مختلفة، الأمومة والرقص والحرية محاور تشغله كثيراً. لكنه غالباً ما يصوغ أفكاره من خلال الطيور.
} لماذا الطيور وما الذي يريد قوله هذا المعرض؟
لأنني وببساطة أستلهم كثيراً من الطيور، هي تعني لي الحرية، تطير وحدودها السماء، لا حواجز أو حدود تقف في طريقها، وعندما أنظر إليها تأسرني وتحررني وتأخذني معها إلى عوالم جميلة أستمد منها أفكاري. فالحرية التي تمثلها الطيور بالنسبة إلي هي الحرية التي يبحث عنها كل إنسان ومن دونها سيتوقف الإبداع، ومن خلال هذه الطيور أعكس أفكاراً وقضايا عديدة تراودني، عن الأمومة والبيئة العمانية الغنية، أيضاً التقاليد والتراث كلها تحضر في أعمالي.
} إذاً، الطيور هي مصدر إلهامك، أين تراقبها؟
أراقب الطيور ترقص على شواطئ البحر وحدها أو ضمن مجموعات، وهي تلهمني لأقوم بإنجاز أعمال فنية مميزة، فعندما أمشي على الشاطئ وأجلس أراقب المشهد مستمتعاً تخرج الأفكار تلقائياً لأن البحر يمنحني الحرية التي أريدها، وفيه يمكنني أن أرمي الهموم وآخذ بالمقابل الأمل والتفاؤل.. وأصبحت مراقبة الأمواج ومشاهد الطيور وهي تحط على رمال البحر المبللة إحدى عاداتي المفضلة.
} ماذا عن الحرية.. هل تفتقدها؟
الأمر فلسفي وليس شخصياً، والإنسان الذي لا يملك حريته فإنه لا يملك أي شيء. الطيور تكره التقييد وتريد أن تكون حرة طوال الوقت، ونحن أيضاً حتى نفعل أي شيء يجب أن نكون أحراراً.
} في معرض «رقص الطيور» الخشب ينافس الرخام، وقد أبدع ملنج في كليهما، لكن الغلبة في الكم وليس الكيف كانت للرخام، ما تعليقك على ذلك؟
الخشب عالم جميل لطالما أخرج منه أعمالاً جميلة اعتمد فيها على خشب التيك الذي يستورد من الهند. أعمال لها قيمتها وجماليتها مثل أمومة، المحبة، شموخ، دلة، وغيرها.. لكن تحولت ومنذ سنوات تدريجياً إلى الرخام، هذا الحجر القاسي إلى درجة أنني لم ابتعد عنه، وكلما أنطقت حجراً وجدت حريتي في هذا الاستنطاق الفني،
العمل على الرخام فيه الكثير من الصعوبة، لكنني اعتدت تطويع هذا الحجر وإنطاقه. وأصبحت أجد متعة كبيرة في ذلك، وأتذكر أن المرحلة الفاصلة التي أثرت بي كثيراً ومنحتني دفعة قوية إلى الأمام كانت حصولي على الجائزة الأولى في أولمبياد سويسرا في مجال النحت، فلهذه الجائزة قيمة كبيرة وأفتخر بأنني حصلت عليها.
أما أكثر أعماله قرباً إلى قلبه فقال: «أحب جميع أعمالي، لكني ومن بين الأعمال في هذا المعرض أفضل منحوتة «رقصة جنوب». وهي تجسد امرأة من صلالة تحمل مجمر البخور على رأسها.
النحات أيوب ملنج البلوشي أصبح اسماً معروفاً على الصعيد العالمي، ومنحوتاته موجودة في أكثر من دولة عربية وغربية، وهو يمثل سلطنة عمان في الكثير من التظاهرات الفنية، ويعطي صورة مشرقة عن مستوى النحاتين العمانيين، لكن هل يسير فن النحت في عمان بشكل عام بالقوة نفسها إلى الأمام، خاصة وأننا نشهد نشاطاً كبيراً للفنون في مجالات أخرى كالرسم مثلاً؟
على العكس تماماً أنا أرى أن فن النحت في عُمان بخير وهو يسير من تطور إلى آخر، وأسس له جذورا قوية، وهناك جيل من الفنانين الشباب الموهوبين الذين يعملون بجهد واستطاعوا بالفعل تحقيق انجازات جيدة، وأنا أرى أن المستقبل واعد ولدي حالياً أكثر من 30 طالباً وطالبة يتدربون معي على فن النحت في مرسم الشباب، وأقوم بتدريبهم وهؤلاء أيضاً سيكون لهم دور مهم في رفد فن النحت والاستمرار به.. عموماً ربما تكون معارض النحت الشخصية أقل من المعارض التشكيلية، وهذا ما يوحي بأن نشاط فن النحت لا يسير بشكل متساو مع بقية الفنون، لكن أؤكد أن النحاتين العمانيين يعملون بجهد ولهم إنجازاتهم الفنية التشكيلية المهمة.
ويعبر الفنان أيوب ملنج عن سعادته بمشاركة مجموعة من النحاتين العمانيين بفعالية ميدان الثقافة والفن التي أقيمت في نزوى ويرى في ذلك تسويقاً للصورة المشرقة لسلطنة عمان.. يقول: «نحن في حاجة لأن ننشر أعمالنا في كل مكان، نريد أن يرى زوار السلطنة جانباً جميلاً آخر من عمان يكمن في فنها وفنانيها، فالفنون تعكس حضارة وعراقة أي بلد، واعمل الآن على إنشاء متحف أو معرض خاص بي سأضع فيه أعمالي الفنية التي أنجزتها على مدار سنوات، وستكون متاحة أمام محبي الفن عموماً وفن النحت خصوصاً لمشاهدة هذه الأعمال والتمتع بها، واخترت لهذا المعرض موقعاً متميزاً في ولاية فنجاء، يطل على الوادي ضمن مشهد جميل وملهم.
تاريخ حافل
الفنان أيوب البلوشي من مواليد مسقط. انضم إلى عضوية مرسم الشباب منذ العام ، 1975 وهو عضو في الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية، وفي جمعية ليوناردو دافنشي في السويد، وعضو في جمعية الصداقة العُمانية اليابانية، وفي جمعية النحاتين العرب. وهو ايضاً عضو لجنة تنظيم مهرجان الفنون العالمي في الإمارات، وعضو لجنة تنظيم سمبوزيم البحرين، وسمبوزيم الكويت. وله عشرات المعارض والمشاركات في عدد كبير من الدول العربية والغربية، ومنحوتاته مقتناة في الأردن، ودبي، والبحرين، وهولندا، واستراليا، وكندا وغيرها، وهو حاصل على عدد كبير من الجوائز والتكريمات كان آخرها في فرنسا منذ أشهر. وفقا لما نشر بصحيفة الخليج .
Copyright © 2021 artsgulf.com All Rights Reserved.
جميع الحقوق محفوظة لـ ترانا لتقنية المعلومات