قبل نحو خمس سنوات، أعلنت إدارة قصر الحمراء في مدينة غرناطة (إقليم الأندلس) جنوب إسبانيا، أنه تقرر إقامة معرض لفنون المقرنصات التي كانت تزيّن تيجان الأعمدة والعقود والقباب وأسقف الأروقة والممرات والغرف، للقصر الذي شيده بنو نصر آخر ملوك المسلمين في الأندلس، قبل انهيارها عام 1492م.
مثل هذا الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام في حينه، كان مفاجأة مدهشة لكثير من المعماريين والفنانين العرب والمسلمين، وجلهم يعيشون في إسبانيا ودول أوروبية مجاورة، لا سيّما أن المعرض كان يتضمّن شروحاً وتوضيحات للمؤرّخ المتخصّص في فنون تلك الحقبة غاسبار أراندا، لهذه القطع الفنية التي تتميّز بأسلوب النحت الخشبي الفريد، وتركيبها في رؤوس الأعمدة الحجرية، مع تفريغها وتذهيبها، لتبدو كأنها مشتقة من كهوف الثلج القديمة، مع إضفاء الطابع الشرقي الإسلامي عليها.
وللتوضيح، فالمقرنص – مفرد المقرنصات – اصطلاحاً، هو تلك التصاميم المعمارية الناتئة أو البارزة، التي تكتسب أهمية تشكيلية كبيرة، ويتخذ تصميمها الهندسي أشكالاً عدة، مثلثة ودائرية ومربعة، جاءت تسميتها في الأصل من اللفظة اليونانية «كارنيس» وتعني النتوء الخارج من البناء.
ظهرت المقرنصات في القرن الحادي عشر الميلادي، وهي من الطرز المعمارية التي انتشرت في بلاد عدة منها، المغرب، وسورية، والأندلس، لا سيّما في قصور الحمراء، عنصراً من عناصر التزيين الداخلي في البناء، كما في الأسقف ومداخل القصور والمنازل، كما توجد على نهايات الأعمدة وفي تجاويف قباب المساجد وفي غيرها من التفاصيل المعمارية، التي ظلت شاهدة على الحضارة الإسلامية، وتطورها في مجال الفنون.
وللمقرنصات آثار وبقايا كثيرة في كل من: بغداد (المدرسة النظامية 1067م)، وفي سور القاهرة جوار باب الفتوح عام 1087م، كما توجد في الجزائر وإيران ودول عربية وإسلامية عدة.
وهي تتميّز بدقة متناهية في تصاميمها، وتحتاج إلى عمال مهرة، وهذه التقنية الفريدة، نفذت بمواد مختلفة كالحجر والخشب والجصّ، وبعضها تم تغطيته وتلوينه بالطلاء والقيشاني.
بحسب المختصين، وعدا كونها من عناصر العمارة الإسلامية، فإن جمال المقرنصات يبرز أكثر في تراصها، وتكاثرها، أو تزاحمها، كما يؤكد د. راغب السرجاني، فتظهر كصفوف مدروسة التوزيع والتركيب، متجاورة متعالية، حتّى لَتبدو كلّ مجموعة من المقرنصات، وكأنّها بيوت النحل أو أقراص الشَّهد، تتلاصق خلاياها وتجمع بين عناصرها خطوط وكُتَل متناغمة، رياضيّة التصميم، متناهية في الدقة، تؤدي وظيفة معمارية محددة.
بهذا المعنى، فإن المقرنصات تؤدي وظيفة زخرفية وتزيينية، غير أن هناك دلالة روحية لفن المقرنصات، بحسب مصادر كثيرة، تشير إلى أنها استخدمت لمعالجة بطن إحدى قباب قصر الحمراء، بما توحيه من محاكاة للسماوات، ولاسيّما عندما يلعب ضوء النهار الدوار لعبَته في حركة الظل الأخاذة المتنقلة الموحية بثبوت المكان وحركة الكون من حوله، من هنا، تأتي نسبة المقرنصات إلى الفن أو العمارة الإسلامية، كما يؤكد ذلك خبير الفنون المعمارية الإسلامية جون د. هوك، في كتابه «العَمارة الإسلامية». وفقا لما نشر بصحيفة الخليج.
Copyright © 2021 artsgulf.com All Rights Reserved.
جميع الحقوق محفوظة لـ ترانا لتقنية المعلومات